مقالات واراء

نظريات العدالة الاجتماعية

احجز مساحتك الاعلانية

كتب حازم محمد ابراهيم مطر

(1) نظرية العدالة عند جون رولز John Rawls الأطروحة ونقدها:
لقد ظل المشتغلون بالفلسفة السياسية في فترة الخمسينات يتابعون انجازات جون راولز وتطويره لنظرية العدالة التي بدأت بمقال له ثم نشره في إحدى المجلات الفلسفية، حيث لقي هذا المقال حجما كبيرا من المناقشات والتعليقات والمتابعات في الوقت الذي كان فيه راولز يعمل على تطوير أفكاره الأساسية من خلال عدد من المقالات والدراسات، إلى أن أصدر في عام 1971 كتابه الشهير “نظرية العدالة”، وحينذاك كان اسم جون راولز لا يحظى بشهرة كبيرة في الأوساط الأكاديمية لكنه بعد إصدار الكتاب أصبح أحد ألمع أعلام الفلسفة المعاصرة لدى جماهير المثقفين في معظم أنحاء العالم.
ولقد تم الاحتفاء بهذا الكتاب من طرف الأساتذة البارزين في ميدان الفلسفة السياسية واعتبروه حدثا فريدا من نوعه، بل وصفوه أنه تحفة فريدة، وإسهام منقطع النظير في ميدان الفلسفة السياسية، بل إن هناك من المهتمين من ربط بين هذا الكتاب وبين الأعمال الخالدة لأفلاطون، وجون ستيوارت مل، وايمانويل كانت , وفضلا عن هذا فقد اختير هذا الكتاب في باب عرض الكتب الجديدة بمجلة نيويورك تايمز كواحد من أهم خمسة كتب صدرت عام 1971، ومن ثم اعتبر الفيلسوف الأمريكي جون راولز 1921 – 2001 من أهم المنظرين للعدالة كنظرية ومفهوم، ذلك انه عندما ترجم مؤلفه لأول مرة أحدث ذلك نقاشا محتدما في العالم، بحيث أثارت “نظرية العدالة” نقاشات كبيرة يصعب الإحاطة بها، إذ في الولايات المتحدة الأمريكية كانت الفلسفة الأكثر شيعا و رواجا، بالإضافة إلى هذا لا يمكن إحصاء الكتب والمقالات التي كتبت عن هذه النظرية.
– مفهوم الموقف الأصلي أو الوضعية الأصلية:
واضح أن راولز استقى مفهوم العدالة التوزيعية من فلسفة “أرسطو”، حيث تلتقي في كتابه الشهير عدة أطياف فكرية, واستعاد من ” كانت ” مفاهيم الاستقلالية والكونية، والاستعمال العموم للعقل، كما يستحضر راولز نظرية التعاقد عند ” روسو ” وإن كان قد اعتبر نظريته على قدر كبير من التجريد, لكن ينبغي التنبيه بملاحظة في غاية من الأهمية، وهي أن “راولز” قد تجاوز كل البنيات الفلسفية السابقة، وهو ما ساعده على بلورة نظرية جديدة للعدالة، التي سيطرح من خلالها مشروعا نظريا لتجديد الليبرالية، ولإعادة التفكير في مستقبل الديمقراطية ذات المنحـى الليبـرالي في المجتمعات بعد إحداثية المركبة بنيتها ثقافيا عرقيا, وما تمخض عن ذالك من أزمات وصراعات بين” دعاة المساواة ودعاة الحريات، على قواعد أخلاقية للعدالة كإنصاف, ومن ثمة رصد الاختلافات التي تخترق الجسم الاجتماعي الليبرالي، وانطلاقا من هذا كيف يتصور راولز العدالة كإنصاف في ظل تعاظم الأنانية وانتشار اللامبالاة السياسية؟ ووفق أية مبادئ للعدال؟
– مبادئ العدالة عند جون رولز John Rawls:
خلافا للتصور الليبرالي المفرط لمسألة العدالة يقر راولز بإمكانية تحقق العدالة كإنصاف ، شرط الإيمان بمبدأ ” التعاون ” كعنصر استراتيجي لتوفير الرفاهية للجميع ، أي أن راولز يحث على تحقيق البعد الاجتماعي في عملية إنتاج الخيرات مادامت هي الأخيرة ، ستوزع بالتساوي على أفراد المجتمع (العدالة التوزيعية) ، يبدو من خلال ما سبق أن راولز يضع ” مبدأ التعاون ” في مقابل ” الروح الفردية “.
إذن نظرية العدالة بما هي إنصاف عند “راولز” تتحدد فيما يلي:
1- كل الناس أحرار ولهم الحق في النسق الموسع للحريات الأساسية بالتساوي .
2- من الطبيعي أن تنتج عن هذا النسق الموسع للحريات فوارق اجتماعية واقتصادية هائلة بين الناس لكن شريطة أن تنظم بالكيفية التالية :
أ – أن تكون في مصلحة الأكثر حرمانا أي ضحايا النظام الرأسمالي .
ب – أن تكون نابعة من مبدأ تكافؤ الفرص في الوظائف لا يرى راولز مانعا في بقاء اللامساواة لكن شرط أن تكون في مصلحة الأكثر حرمانا والأقل حظا من الناس ، وإذا كانت أيضا حصيلة تكافؤ الفرص التي يتيحها النظام الليبرالي الذي يكون قد قبل بمبدأ العدالة كإنصاف، وحصل توافق جماعي حول مبادئها التي نلخص أهمها في ما يلي:” المساواة، الحرية ، التعاون الاجتماعي” .
ومن هنا يتضح أن هدف نظرية العدالة كإنصاف هو محاولة الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بإمكانية تحقيق مجتمع عادل يضمن لأفراده الحرية والمساواة، بحيث تكون الحدود المنصفة للتعاون موضع توافق بين المواطنين أنفسهم مادام الدخول لمجتمع التعاون يفترض المرور بمرحلة الوضعية الأصلية كإجراء لعرض نظرية العدالة كإنصاف. إذن فما هي مبادئ العدالة التي على أساسها سيكون التوزيع منصفا بين أفراد المجتمع، لما اسماه راولز المنافع الأساسية مثلا: الحقوق و السلطات والفرص والدخل والثروة، ومخولات احترام الذات … ببساطة تتمثل حسب جون راولز في المبادئ التالية:
المبدأ الأول: لكل شخص أن يحصل على حق مُسَاوٍ في أكثر أشكال الحرية شمولا وأوسعها مدى، دون المساس بحرية الآخرين.
المبدأ الثاني : ويتضمن ما يسميه راولز بـ ” المبدأ الليبرالي للمساواة المنصفة في الفرص” إذ يقتضي حصول الجميع على فرص متكافئة للمنافسة على شتى المناصب.
يعطي راولز أهمية كبيرة للحريات مثل حرية الترشح للوظائف العامة وحرية التعبير وحرية التفكير والمعتقد وحق الملكية وعدم انتهاك حرمة الشخص , فهذه حريات وحقوق تحددها الدولة. كما أن المساواة تقتضي ألا يؤثر المنشأ الاجتماعي سلبا على الأفراد ويحاول أن يجمع بين الحرية الاقتصادية والحماية المدعمة للحريات والتشريعات الاجتماعية التي تسمح بتحسين وضعية من هم أقل حظا.
يحدد راولز مبادئ العدالة من خلال فرضيتين هما: الوضع الأصلي وحجاب الجهالة وبالانطلاق من مبدأ الحرية ومبدأ الاختلاف ذلك أنه في وضع شبيه بالحالة الطبيعية عند منظري العقد الاجتماعي ودون معرفة مسبقة بالوضعيات الاجتماعية يكون الأفراد قادرين على اختيار عقلي يجعلهم يتفقون على تعريف العدالة من خلال الإنصاف وذلك بضمان الحريات الأساسية والنظر إلى الاختلاف والتفاوت على أنه ضرب من المساواة الديمقراطية، إذ يقول في هذا السياق: ” يجب أن يكون لكل شخص في المقام الأول حق معادل للنظام الأكثر انتشارا للحريات الأساسية التي يتساوى فيها الجميع، نظام يكون متوافقا مع نفس النظام الذي للآخرين.
إن الإنصاف عند راولز هو الحل الممكن لتجاوز خطأ الاشتراكية التي عظمت العدالة الاجتماعية والمساواة على حساب النجاعة والحرية الفردية وقصد إصلاح مأزق الرأسمالية التي نادت بالملكية الخاصة وحرية السوق وأهملت الحقوق الاجتماعية والإنسانية للعمل ، ليكون بذلك أحسن طريق ثالث يدافع عن مبدأ المساواة في حق الحرية للجميع دون أن يتنافى ذلك مع وجود تفاوت, والمساواة تبرر دوما بالنظر إلى حصول المنفعة العامة والمصلحة العمومية.
يصرح في هذا السياق:”إذا لم يكن ثمة ما يستوجب أن يكون توزيع الثروة والدخول على نحو متكافئ فلابد أن يكون لفائدة كل شخص وأن تكون مواقع السلطة والمسؤولية في نفس الوقت في متناول الجميع…إننا ننظم أشكال التفاوت الاقتصادي والاجتماعي على نحو يستفيد منه الجميع.
وتؤكد نظريات العدالة الاجتماعية المختلفة مبادئ متعددة لتوزيع عادل للمنافع والأعباء كأساس لتحديد طبيعة وحدود الأحقية لخدمات الرعاية الاجتماعية (الصحية, التعليمية, السكانية …..الخ) ويحدد البعض خمس نظريات للعدالة الاجتماعية نستعرضها فيما يلي:
أ- نظرية الأهلية Entitlement :
تؤكد هذه النظرية أن العدالة متأصلة في حرية الشخص في أن يقتني ويستخدم ممتلكاته وموارده كما يشاء , ويكون الناس أهل لما يملكون طالما أنهم يحوزون عليه من خلال سبل عادلة, وهذا يؤكد أن الشخص يولد وينمو وهو راغب في العدالة وساعيا لها, لان العدالة جزء لا يتجزأ من الحرية في التملك والحرية في استخدام ما أملاكه دون إضرار بالآخرين, وهذه النظرية تؤكد انه العدالة إلا مع أشخاص يفهمون معناها قادرين علي ممارستها ذو أهلية للاستفادة منها.
ب- نظرية المساواتية Egaliaarian :
وجهة نظر هذه النظرية أن الأساس هو المنظور الذي يري أن لجميع الناس قيمة متساوية, وانه يجب معاملتهم بالتساوي, حيث تركز المساواتية علي المساواة الإجرائية, وتؤكد المساواة الإجرائية علي فرص متساوية لكل فرد للحصول علي الرعاية بغض النظر عن الصفات الشخصية مثل العمر أو الجنس أو الدين أو الدخل أو نوع التغطية التأمينية أم إذا كان الشخص يقيم في المدينة أم في ضواحي.
ج- نظرية التعاقدية: The Contractual Theory
تركز نظرية التعاقدية علي الجدل المتعلق بما يقرره الأشخاص العقلانيون لو طلب منهم أن يستنبطون مجموعة عادلة من المبادئ لتوزيع السلع المجتمعية علي أن يعملوا وفق الافتراض النظري (قد يكونوا في موقع المجتمع حيث تطبق عليهم هذه المبادئ بما في ذلك اقلها اجتماعيا واقتصاديا ) وتعتمد هذه النظرية علي مجموعة من المبادئ وهي:
(1) تنظيم حقوق الجميع للحرية بتناغم مع نظام مماثل فيه الحرية للجميع.
(2) ضمان التساوي العادل للفرص المتاحة للأشخاص ذوي القدرات والمهارات المماثلة.
(3) ضمان التساوي العادل للفرص المتاحة للأقاليم والمناطق المختلفة في المجتمع.
(4) التأكيد علي انتفاع الذين هم باسوا حال, ويركز هذا المنظور علي ضمان حقوق الذين هم اقل قدرة علي الوصول لخدمات الرعاية الاجتماعية.
وتركز هذه النظرية علي أحقية الأقاليم والمناطق المختلفة في الحصول علي فرص متساوية لتوزيع خدمات الرعاية الاجتماعية المختلفة والسلع المجتمعية, كما تؤكد علي ضمان حقوق الذين هم اقل قدرة علي الوصول لخدمات الرعاية لذا فيجب علي واضعي السياسات الاجتماعية التركيز علي الاهتمام بالأقاليم الفقيرة حتى تتاح لها نفس الفرص المتساوية مع الأقاليم الفنية.
د- نظرية الحاجات: Theory of Needs
تؤكد هذه النظرية علي ضرورة تبني السياسة العامة وسياسات الرعاية الاجتماعية في المجتمع لخطط وبرامج ومشروعات تعتمد في فلسفتها الأساسية علي ضمان توزيع عادل لخدمات الرعاية الاجتماعية (الصحية و والتعليمية , والإسكانية……الخ) من خلال الاعتماد علي الخطط قصيرة وطويلة المدي من اجل تحقيق التنمية المستدامة في المجتمع .
هـ – نظرية المنفعية : Utilitarian Theory
تعد هذه النظرية في أساسها ترابطية أو تتجه نحو الغاية , فتقاس قيمة أي نشاط أو قرار بنتائجه (الغاية تبرر الوسيلة) والهدف الأساسي هو تعظيم المنفعة وإتاحة اكبر منفعة لأكبر عدد من الناس, حتى أن صنع القرارات المبنية علي منفعة التكلفة والسياسات الموجهة للسوق كلها راسخة في منظور المنفعة .

1528526_214631972207556_6605086508830224699_n (Copy)

رئيس التحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى